الصفحة الرئيسية » المدونات » خطورة الشخصية النرجسية
تعد الشخصية النرجسية ظاهرة نفسية تستحوذ على اهتمام العديد من الباحثين والمهتمين بعلم النفس، فهي تمثل توازنًا دقيقًا بين الثقة بالنفس والانغماس في الذات.
ومع أن هذه الخصائص قد تبدو مفيدة في بعض الأحيان، إلا أن تجاوزها إلى مستويات مفرطة يمكن أن يؤدي إلى تداعيات سلبية على الفرد والمجتمع.
في هذا المقال، يناقش الدكتور محمد عوني أبو حليمة اختصاصي الطب النفسي ومعالجة الإدمان بعمق خطورة الشخصية النرجسية، وسبل التعرف عليها.
وتأثيراتها على الحياة الشخصية والاجتماعية، بالإضافة إلى الاستراتيجيات الفعالة للتعامل معها.
الشخصية النرجسية عبارة عن حالة صحية عقلية تؤثر على كيفية رؤية الشخص لنفسه وعلاقاته بالآخرين، حيث أنه من الشخصيات الذين يظهرون سمات مميزة مثل: الثقة المفرطة بالنفس، والتفاخر وغيره.
وقد يكون هذا للحاجة المفرطة لإثارة إعجاب الآخرين أو الشعور بالأهمية.
يمكن أن تكون هذه الحاجة قوية بما يكفي لدفع السلوكيات الضارة، مما يؤثر سلبًا على الشخص وعلى من حوله.
يُعتقد أيضًا أن الشخص ذوو الشخصية النرجسية يعاني من عدم القدرة على التعاطف مع مشاعر الآخرين بشكل كافي، ويميل إلى التفكير بشكل أساسي في النفس واحتياجاتها دون النظر إلى احتياجات الآخرين.
تتمحور أعراض اضطراب النرجسية حول الأفكار والمشاعر والأفعال، حيث أنهم قد يظهرون مجموعة من الأعراض والسلوكيات التي تشير إلى وجود هذا النوع من الشخصية.
يحتوي الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي (DSM-5) على قائمة معايير تشير إلى الإصابة باضطراب الشخصية النرجسية، وتشمل ما يلي:
المبالغة في التفاخر أو تقدير إنجازاته، أو إلزام نفسه بمعايير عالية بشكل غير معقول.
فهو يعتقد أنه فوق القوانين والقواعد، ويميل إلى التفكير بأنه مميز وعظيم بشكل لا يمكن تجاهله.
يميل الشخص النرجسي إلى التركيز بشكل مفرط على الذات واحتياجاتها دون النظر إلى احتياجات الآخرين، وقد يكون غير مهتم بمشاعر الآخرين أو احتياجاتهم.
بالإضافة إلى التخيلات المتكررة حول امتلاك أو استحقاق النجاح، القوة، الحب، الذكاء، الجمال.
يظهر الشخص ذو الشخصية النرجسية ثقة شديدة بنفسه وبقدراته، ويعتقد بأنه يتفوق على الآخرين بأنه مميز وفريد.
بالإضافة إلى الاعتقاد بأنه يستحق المكانة الخاصة به وأنه يجب عليه التواصل فقط مع أولئك الذي يرى أنهم يستحقون ذلك.
غالبًا ما تعاني الشخصية النرجسية من كثرة الشك الذاتي، أو النقد الذاتي أو الفراغ.
بالإضافة إلى أن هذه الشخصية قد تنشغل بمعرفة رأي الآخرين عنهم واصطياد المجاملات.
يمكن أن يكون للشخص النرجسي صعوبة في قبول الانتقادات والرد عليها بشكل بناء، وقد يتجاهل الانتقادات أو يعتبرها هجومًا على شخصيته.
غالبًا ما يسعى صاحب هذه الشخصية إلى استغلال الآخرين من أجل تحقيق أهدافه الشخصية، سواء كانت ذلك في العلاقات الشخصية أو العملية.
غالبًا ما يرى صاحب هذه الشخصية أن مشاعر الآخرين أو احتياجاتهم أو رغباتهم على أنها علامة ضعف، وقد يتعمد قول أشياء قد تؤذي الآخرين، أو قد يظهر عدم اللطف أو الاهتمام.
قد يكون الشخص النرجسي عرضة للشعور بالحسد والغيرة من الآخرين، خاصة إذا كانوا يحظون بالاهتمام أو النجاح أكثر منه.
قد يظهر الشخص النرجسي توجهًا واضحًا نحو الخيالات والتخيلات التي تظهره كشخص ناجح ومميز بشكل مبالغ فيه، بالإضافة إلى أنه يميل إلى عدم الاعتراف بالأخطاء أو الفشل، وقد يحاول دائمًا تبرير أفعاله والتهرب من المسؤولية.
مثل:
تتأثر الشخصية النرجسية بمجموعة متنوعة من العوامل، وقد تكون هذه الشخصية نتيجة تفاعل هذه العوامل معًا.
ومن أبرز هذه الأسباب والعوامل ما يلي:
هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى وجود عوامل وراثية قد تلعب دورًا في تطوير الشخصية النرجسية، حيث يمكن أن يكون للجينات دور في تحديد ميزات الشخصية والسلوك.
تلعب تجارب الطفولة السيئة دورًا هامًا في تطوير الشخصية، حيث يمكن أن تكون التجارب السلبية في الطفولة مثل التهميش أو الإهمال أو الاعتداء النفسي عوامل مؤثرة في تكوين هذه الصفة والشخصية.
قد يؤدي الإفراط في تدليل الأطفال والحماية المفرطة إلى نمو الطفل ليتوقع ويطلب نفس المعاملة التي تلقاها من الوالدين.
وهذه الطريقة قد تمنع الطفل من تعلم كيفية تنظيم مشاعره وعواطفه، مما قد يساهم في صعوبة التحكم في العواطف عندما لا تسير الأمور كما يريد.
يمكن أن تؤثر التفاعلات الاجتماعية مع العائلة والأصدقاء والمجتمع في تطوير الشخصية النرجسية، حيث يمكن أن تعزز الثقة الزائدة بالنفس والتميز وسطحية العلاقات هذه السمات.
الشخصية النرجسية تشكل خطورة على الفرد والمجتمع بعدة طرق، من بينها:
الأشخاص ذوو الشخصية النرجسية قد يكونون عاطفيين وصعب التعامل معهم في العلاقات الشخصية، حيث قد يكونون غير قادرين على التعبير عن المشاعر والتعاطف مع الآخرين بشكل صحيح مما يؤدي في النهاية إلى تدهور العلاقات الشخصية.
يمكن أن تؤثر هذه الصفة على العلاقات الاجتماعية الإيجابية، حيث قد يعتبر الشخص النرجسي الآخرين أدوات لتحقيق أهدافه الشخصية دون النظر إلى احتياجاتهم أو مشاعرهم.
قد يكون للشخصية النرجسية تأثير سلبي على الأداء المهني، حيث أنه قد يتجاهل الشخص النرجسي آراء الآخرين ويتباهى بإنجازاته الشخصية بشكل مفرط، مما يؤثر على فرص التعاون والعمل الجماعي في البيئة العملية.
بالإضافة إلى أنه قد يتسبب التعامل السيء مع الزملاء أو الزبائن إلى فقدان الوظيفة أو الفشل في العلاقات الشخصية.
قد يعاني الأشخاص ذوو الشخصية النرجسية من مشاكل صحية نفسية نتيجة لعدم القدرة على التعامل مع الانتكاسات والصعوبات بشكل صحيح، ومن بين هذه المشاكل، ما يلي:
قد يلجأ الأشخاص ذوو الشخصية النرجسية إلى الإدمان على المواد الكيميائية أو السلوكيات الضارة مثل العنف أو السلوكيات العدوانية كوسيلة للتعامل مع عدم الاهتمام بالآخرين والشعور بالفراغ العاطفي.
قد يؤدي سلوك الشخصية النرجسية إلى الشعور بالعزلة الاجتماعية والانفصام، حيث يجد الشخص النرجسي صعوبة في بناء العلاقات الاجتماعية الصحية والمستقرة.
علاج هذه الشخصية يتطلب جهدًا شاملًا ومتعدد الأوجه، وقد يشمل العديد من الاستراتيجيات ولكنه يعتمد بشكل أساسي على العلاج النفسي والأدوية.
يمكن أن تكون الجلسات الفردية مع الطبيب النفسي خطوة فعالة في التعامل مع أصحاب هذه الشخصية، حيث أنه يهدف العلاج النفسي إلى استكشاف الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تقوم على النرجسية وتحديدها، وتعزيز الوعي بالذات وتغيير السلوكيات غير المفيدة.
يركز على تغيير الأنماط السلوكية غير المفيدة وتطوير مهارات التفاعل الاجتماعي والتعامل مع العواطف.
بالإضافة إلى أنه يساعد على التعرف على الأفكار السلبية أو الخاطئة حول الذات والآخرين والعالم من حولهم، وكيفية تغييرها إلى أفكار أكثر إيجابية وموجهة نحو الحلول.
يبدأ العلاج السلوكي الجدلي بتحديد الأهداف المرغوبة للعلاج، وتحديد الأنماط الضارة في السلوك والتفكير التي يجب تغييرها.
بعد ذلك يتم تعلم مهارات للتعامل مع العواطف السلبية بشكل صحيح، مثل تحمل الاضطرابات العاطفية وتحديد المشاعر والتعبير عنها بشكل صحيح.
العلاج الجماعي هو نوع من العلاج النفسي الذي يتم فيه تقديم الدعم والمساعدة من قبل مجموعة من الأشخاص الذين يشتركون في تجارب مماثلة.
يمكن للأفراد الاستفادة من تجارب الآخرين والتعلم من كيفية التغلب على التحديات والصعوبات المتعلقة بالشخصية النرجسية.
قد يكون العلاج الدوائي مفيدًا في بعض الحالات لإدارة الأعراض المصاحبة للاضطرابات النفسية الأخرى المرتبطة بالشخصية النرجسية، مثل:
اقرأ أيضًا: الاكتئاب
في النهاية، يجب علينا أن ندرك أن هذه الشخصية ليست مجرد صفة شخصية بسيطة، بل هي اضطراب نفسي يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الفرد والمجتمع من حوله.
يتطلب التعامل مع الشخصية النرجسية فهماً عميقاً ومقاربة متعددة الأوجه، وقد يتطلب الأمر بعض الوقت والجهد لتحقيق التغيير والتحسين.
ولكن من خلال الوعي والتعلم والدعم، يمكننا تخطي خطورة الشخصية النرجسية والعيش حياة أكثر صحة وسعادة لنا وللآخرين من حولنا.
المصادر: